يسرى الشيخاوي- 
ليس الموت فقط أن توارى أجسادنا الثرى وترتفع ارواحنا بعيدا عن هذا العالم، بل للموت تجليات أخرى، كأن ينقطع ذلك الرابط بينك وبين أصوات الكون، كأن تنقطع بك كل السبل المؤدية إلى الحياة، كأن تكتم أنفاس الأمل الساكن فيك، كأن تحول بين أذنيك والموسيقى.
والموسيقى ألغت احتمال أن تكون الحياة خطأ فادحا، كما يقول افلاطون، أو ربما جعلتها ضدا للموت، وهي التي تسكن في نبضات قلوبنا وفي انفاسنا وضحكاتنا وشهقاتنا عند البكاء، وهي، كما الفنون جميعها، حمالة معان ورسائل، تعبيرات استطيقية عن فكرة ما أو ذوق ما أو رؤية ما، الفن هو كل تلك الذبذبات التي يتلقّاها المستمع فيستبطنها ويحوّلها إلى نشوة.
“موسيقى بلا حدود”، ملأت أرجاء ركح مسرح الجهات في مدينة الثقافة، وكسرت حاجز الزمان والمكان وحاجز الموت أيضا، فكان مهيار السوسي حاضرا في  اختتام السنة الجامعية للمعهد العالي للموسيقى، رغم رحيله بعيدا عن هذا العالم.
هي ليست المرّة الاولى التي يحيي فيها طلبة المعهد العالي للموسيقى احتفالهم بانتهاء السنة الجامعية بعروض موسيقية لا تخلو من الإبداع، ولكن هذه السنة كان عرض “موسيقى بلا حدود” مختلفا لأنّه ينبض بذكرى مهيار السوسي الذي تشكّل حضوره في نوتات الكمنجة الآلة التي عشقها.
وفي عرض “موسيقى بلا حدود”، كانت “الموسيقى منظومة وداع، توحي بفيزياء ليست نقطة إنطلاقها من الذرات بل من الدموع”، على حدّ قول اميل سيوران، ولأنّه لا حدود للموسيقى ولا حواجز لتعبيراتها، فإنّ دموع الفقد قد تكون على شاكلة ألحان، ألحان ترشح بوجع الفراق ولكنّها تحتفي بالحياة وبالحضور الصارخ لمهيار السوسي رغم المسافات.
والحفل الذي نظّمته وزارة التعليم والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية، كان بمثابة رحلة بين كلاسيكيات الموسيقى بمختلف تلويناتها، رحلة خطّ الطلبة معالمها من خلال تقديم أربع فقرات موسيقية احتفت بسرمدية الألحان.
والتنوع والاختلاف كان عنوان العرض الموسيقي الذي أمّنت أركسترا الغرفة بقيادة الأستاذ “هشام العماري”  إحدى فقراته الأربع بمشاركة ثلاثة عازفين من الأركستر السمفوني التونسي، قبل أن يسافر الطلبة بالجمهور إلى عوالم الموسيقى اللاتينية بقيادة الأستاذة إقبال الحمزاوي، وكانت الفقرة الموسيقية التي أمّنها طلبة ورشة الإيقاعات الهندية والطلبة المتخصصون في الكمنجة بقيادة الأستاذ زياد الزواري ، نافذة منفتحة على عالم موسيقي تتماهى فيه كل الإيقاعات دون ان تفقد خصوصيتها، فيما انطلقت رحلة أخرى في عالم الألحان مع  مجموعة ” ALLCHESTRA” بقيادة الطالب “راضي الشوالي”.
وفي اختتام السنة الجامعية للمعهد العالي للموسيقى، كانت المشاريع الموسيقية توليفة إبداعية بين الإيقاعات والألحان التي برهنت على أن “الموسيقى بلا حدود”، وأنّها” تعطي روحاً للكون، أجنحةً للعقل، طيراناً للمخيلة وحياةً لكل شيء”.